قد يكون مستغرباً أن تغدو السعودية عضوا في مجلس حقوق الإنسان. الدولة التّي تتوسع بإعدام سجنائها بحجّة تطبيق الشريعة الإسلامية. وتقطع الأيدي والرؤوس، وتحاكم من دون قانونٍ وضعي واضح، ووفق حكم يخضع حرفياً لرؤية القاضي وتفسيراته ومزاجه الشخصي.
قد يكتفي القاضي بقرارٍ لا يتجاوز دفع غرامة مالية لإطلاق سراح أبّ قتل ابنته، أو حفظ آيات من القرآن وأحاديث نبوية لمعذّب زوجته، لكنّ القاضي نفسه لن يقبل بأقل من رأس خادمة قتلت ابنة مخدوميها بسبب سوء معاملتهم لها.
الحكم دوماً قاسٍ على الآتين من خارج البلاد أكثر مما هو على أهلها، ليتحوّل الوافدون إلى فزّاعةٍ تستخدم في ترهيب الناس. في ساحات الإعدام المخصّصة والمعلن عنها جهراً، يؤخذ بالعبرة من مئات الأثيوبيين والباكستانيين والأندونسيين وغيرهم من الجاليات. حتّى اليمن الجار له حصّة لا يُستهان بها من حفلات الإعدام. جالياتٌ متعددة تضعها التصنيفات العنصري في المرتبة الدنيا من سلّم الوافدين، لا تبلّغ دولهم بما يحصل لهم هناك، وتكتفي بإرسال الجثامين. تخفي المملكة أرقام إعداماتها، قد تتساوى هي والعراق بكمية الدم النازف بحجّة قصاص لا يناله إلّا من لا سند له ويبقى صاحب الظهر فيه قوياً عزيزاً لا يمسّ.
دفع هذا العديد من الدول كأثيوبيا وأندونسيا إلى إصدار تحذيرات إلى مواطنيها بعدم السفر إلى تلك البلاد خوفًا من المعاملة غير الإنسانية، لا سيما أنه، عند وقوع أي مشكل، لا يملك المتّهم حقّ الدفاع عن النفس، ولا تعرف الدولة الأم فيه إلّا كجثّةٍ هامدة تستلمها ربّما بعد الكثير من الوقت.
لا أحد يعرف كيف تصل الأمور إلى عقوبة الإعدام، وما هي الأدلة والبراهين الدامغة. حتّى أنّ هذه المحاكمات غير الواضحة لا تعفي أيضاً السعوديين من الوصول إلى نصل السيف الحاد، الذي تمّ لاحقًا استبداله في بعض المناطق بالرمي بالرصاص تسريعاً لعمليات القتل، وتخفيفًا لوطأة الموت على المتّهم والحاضرين.الدعوات لحضور القصاص غالبا ما تكون عامة بل وجماهيرية، وفي الساحات، وبالضبط بعد الصلوات اليومية لضمان أخذ العبرة. وآخر الصور التّي رأيناها كانت عملية إعدام لخمسة يمنيين تمّ تعليقهم على الرافعات صلبا بعد موتهم. إقامة حدّ يُدعى «الحرابة» ما زال يُعمل به في بعض الدول العربية أيضا كالسودان، وهو القتل والصلب بتهمة الغزو والسرقة.
تتهم منظمة هيومن رايتس واتش السعودية بعمليات إعدام تطال القاصرين، الذين لم يبلغوا سن الرشد القانوني، وتمّ الضغط على المملكة للنظر بدقّة في تلك الأحكام ومراعاة الشرائع الدولية، كقضية الشبّان السبع الذين تمّ قتلهم رميا بالرصاص عام 2009 بعد اتهامهم بالسرقة، لتبين أنّ اثنان منهم لم يتجاوزا السادسة عشرة وقت ارتكاب الجريمة. لكنّ المملكة لم تستجب.
جرائم كثيرة تحكم بالإعدام، كالسطو المسلح، والاغتصاب، والردّة، والقتل، وتهريب المخدرات، كما يُعاقب أيضا بالإعدام من يُقبض عليه متلبسا بجرائم السحر والشعوذة.لا يوجد إحصاءات دقيقة تُظهر حجم ما يجري خلف السجون المعتمة. 76 شخصا كانوا حصيلة عام 2012. كثيرون لا يملكون حقّ الدفاع عن النفس، ولا يُؤخذ بشهاداتهم ولا ظروفهم، ولا يُعرف عنهم شيئًا.أعلنت السويد الشهر الماضي إغلاق عدد من سجونها لقلّة نزلائها. تلك الدولة «الكافرة» استطاعت أن تقلّص الجريمة في مجتمعاتها إلى أدنى الحدود.
[ينشر ضمن اتفاقية شراكة وتعاون بين جدلية و"السفير العربي"]